فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد كتبت في سائر القرآن على الأصل والقصة واحدة على أن {ليكة} اسم لا يعرف انتهى، وتعقب بأنه دعوى من غير ثبت وكفى ثبتًا للمخالف ثبوت القراءة في السبعة وهي متواترة كيف وقد انضم إليه ما سمعت عن بعض كتبت التفسير.
وإن لم تعول عليه فما روي البخاري في صحيحه {أصحاب لْئَيْكَةِ} وليكة الغيضة، هذا وان الأسماء المرتجلة لا منع منها، وفي البحر أن كون مادة ل ى ك مفقودة في لسان العرب كما تشبث به من أنكر هذه القراءة المتواترة إن صح لا يضر وتكون التكلمة عجمية ومواد كلام العجم مخالفة في كقر مواد كلام العرب فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث، وبالجملة إنكار الزمخشري صحة هذه القراءة يقرب من الردة والعياذ بالله تعالى.
وقد سبقه في ذلك المبرد. وابن قتيبة. والزجاج. والفارسي. والنحاس، وقرئ {ليكة} بحذف الهمة والقاء حركتها على اللام والجر بالكسرة وتكتب على حكم لفظ اللافظ بدون همزة وعلى الأصل بالهمزة وكذا نظائرها.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ على رَبّ العالمين أَوْفُواْ الكيل} أي أتموه.
{أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)}.
{وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} أي حقوق الناس بالتطفيف ولعل المبالغة المستفادة من التركيب متوجهة إِلى النهي أو أنه لا يعتبر المفهوم لنحو ما قيل في قوله تعالى: {لاَ تَأْكُلُواْ الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130] وأيًا ما كان ففي النهي المذكور تأكيد للأمر السابق.
{وَزِنُواْ} الموزونات.
{بالْقسْطَاس الْمُسْتَقيم} أي بالميزان السوى، وقيل: القسطاس القبان وروي ذلك عن الحسن، وهو عند بعض معرب رومي الأصل ومعناه العدل وروي ذلك عن مجاهد.
وعند آخرين عربي فقيل: هو من القسط ووزنه فعلاع بتكرير العين شذوذًا إذ هي لا تكرر وحدها مع الفصل باللام، وقيل من قسطس وهو رباعي ووزنه فعلال، والمراد الأمر بوفاء الوزن وإتمامه والنهي عن النقص دون انلهي عن الزيادة، والظاهر أنه لم ينه عنها ولم يؤمر بها في الكيل والوزن، وكأن ذلك دليل على أن من فعلها فقد أحسن ومن لم يفعلها فلا عليه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى: {بالقسطاط} أي بالميزان السوى، وقيل: القسطاس القبان وروي ذلك عن الحسن، وهو عند بعض معرب رومي الأصل ومعناه العدل وروي ذلك عن مجاهد وعند آخرين عربي فقيل: هو من القسط ووزنه فعلاع بتكرير العين شذوذًا إذ هي لا تكرر وحدها مع الفصل باللام، وقيل.
من قسطس وهو رباعي ووزنه فعلال، والمراد الأمر بوفاء الوزن وإتمامه والنهي عن النقص دون انلهي عن الزيادة، والظاهر أنه لم ينه عنها ولم يؤمر بها في الكيل والوزن، وكأن ذلك دليل على أن من فعلها فقد أحسن ومن لم يفعلها فلا عليه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى {وَزِنُواْ} الخ وعدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله تعالى لعباده، والظاهر إذ عادل سبحانه به {أَوْفُواْ الكيل} ما تقدم.
وقرأ أكثر السبعة {بالقسطاس} بضم القاف.
{وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ} أي لا تنقصوهم شيئًا من حقوقهم أي حق كان فإضافة أشياء جنسية ويجوز أن تكون للاستغراق، والمراد مقابلة الجمع بالجمع فيكون المعنى لا تبخسوا أحدًا شيئًا، وجوز أن يكون الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلًا كان أو حقيرًا، وهذا تعميم بعد تخصيص بعص المراد بالذكر لغاية إنهما كهم فيه، وقيل: المراد بأشيائهم الدراهم والدنانير وبخسها بالقط من أطرافها ولولاه لم يجمع.
وبخس مما يتعدى إلى اثنين فالمنصوبان مفعولاه، وقيل هو متعد لواحد فالثاني بدل استمال {وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرض مُفْسِدِينَ} بالقتل والغارة وقطع الطريق ونحو ذلك.
والعثو الفساد أو أشده و{مفسدين} حال مؤكدة، وجوز أن يكون المراد مفسدين آخرتكم فتكون حالا مؤسسة.
{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)} أي وذوي الجبلة أي الخلقة والطبيعة أو والمجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها وسبلهم التي قيضوا لسلوكها المتقدمين عليكم من الأمم، وجاء في رواية عن ابن عباس أن الجبلة الجماعة إذا كانت عشرة آلاف كأنها شبهت على ما قيل بالقطعة العطيمة من الجبل، وقيل: هي الجماعة الكثيرة مطلقًا كأنها شبهت بما ذكر أيضًا.
وقرأ أبو حصين والأعمش والحسن بخلاف عنه {الجبلة} بضم الجيم والباء وشد اللام.
وقرأ السلمي {الجبلة} بكسر الجيم وسكون الباء كالخلقة، وفي نسخة عنه بفتح الجيم وسكون الباء قيل وتشديد اللام في القراءتين للمبالغة.
{قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحرين وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} الكلام فيه نظير ما تقدم في قصة ثمود بيد أنه أدخل الواو بين الجملتين هنا للدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة فيكف إذا اجتمعا وأرادوا بذلك المبالغة في التكذيب، ولم تدخل هناك حيث لم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحرًا ثم قرر بكونه بشرًا مثلهم كذا في الكشاف، وفي الكشف أن فيه ما يلوح إلى اختصاص كل بموضعه وإن الكلام هنالك في كونه مثلهم غير ممتاز بما يوجب الفضيلة ولهذا عقبوه بقولهم: {فأت بآيةَ} [الشعراء: 154] فدل على أنهم لم يجعلوا البشرية منافية للنبوة وإنما جعلوا الوصف تمهيدًا للاشتراك وأنه أبدع في دعواه، وههنا ساقوا ذلك مساق ما ينافي النبوة فجعلوا كل واحد صفة مستقلة في المنافاة ليكون أبلغ.
وجعلوا إنكار النبوة أمرًا مفروغًا ولذا عقبوه بقولهم: {وَإِن نَّظُنُّكَ} الخ، وقال النيسابوري في وجه الاختصاص إن صالحًا عليه السلام قلل في الخطاب فقللوا في الجواب وأكثر شعيب عليه السلام في الخطاب ولهذا قيل له: خطيب الإنبياء فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبًا عليه السلام في الخطاب ولهذا قيل له: خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب، ولعله أراد أن شعيبًا عليه السلام بالغ في زجرهم فبالغوا في تكذيبه ولا كذلك صالح عليه السلام مع قومه فتأمل، و{إن} في قوله سبحانه {وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين} هي المخففة من الثقيلة واللام في {لِمَنْ} هي الفارقة، وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا وهو خلاف مشهور أي وإن الشأن نظنك من الكاذبين في الدعوى أو ما نظنك إلا من الكاذبين فيها، ومرادهم أنه عليه السلام وحاشاه راسخ القدم في الكذب في دعواه الرسالة أو فيها وفي دعوى نزول العذاب الذي يشعر به الأمر بالتقوى من التهديد.
وظاهر حالهم إنهم عنوا بالظن الإدراك الجازم، وقوله عز وجل: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مّنَ السماء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} من الاقتراح الذي تحته كل الإنكار على نحو {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء} [الأنفال: 32] ولعلهم قابلوا به ما أشعر به الأمر بالتقوى مما ذكرنا، و{كسفا} أي قطعا كما روي عن ابن عباس وقتادة جمع كسفة كقطعة وقرأ الأكثرون {كسفا} بكسر الكاف وسكون السين وهو أيضًا جمع كسفة مثل سدرة وسدر، وقيل: الكسف والكسفة كالريع والريعة وهي القطعة، والمراد بالسماء اما المظلمة وهو الظاهر وإما السحاب، والظاهر أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لما قبله وتعلقه بأسقط في غاية السقوط، وجوز عليه أن يراد بالسماء جهة العلو، وجواب أن محذوف دل عليه فأسقط، ومن جوز تقدم الجواب جعله الجواب.
{قَالَ رَبّى أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} أي هو تعالى أعلم بأعمالكم من الكفر والمعاصي وبما تستوجبون عليها من العذاب فسينزله عليكم حسبما تستوجبون في وقته المقدر له لا محالة.
{فَكَذَّبُوهُ} فاستمروا على تكذيبه وكذبوه تكذيبًا بعد تكذيب {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وذلك على ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أن الله تعالى بعث عليهم حرًا شديدًا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواب البيوت فدخل عليهم فخرجوا منها هرابًا إلى البرية فبعث الله تعالى عليهم سحابة فاظلتهم من الشمس وهي الظلة فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقطها الله عز وجل عليهم نارًا فأكلتهم جميعًا.
وجاء في كثير من الروايات أن الله عز وجل سلط عليهم الحر سبعة أيام ولياليهن ثم كان ما كان من الخروج إلى البرية وما بعده وكان ذلك على نحو ما اقترحوه لاسيما على القول أنهم عنوا بالسماء السحاب، وفي إضافة العذاب إلى يوم الظلة دون نفسها إيذان بأن لهم عذابًا آخر غير عذاب الظلة وفي ترك بيانه تعظيم لأمره.
وقد أخرج ابن جرير والحاكم وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: من حدثك من العلماء ما عذاب يوم الظلة فكذبه، وكأنه أراد بذلك مجموع عذاب الظلة الذي ذكر في الخبر السابق والعذاب الآخر الذي آذنت به الإضافة إلى اليوم {إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي في الشدة والهول وفظاعة ما وقع فيه من الطامة والداهية التامة.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم} هذا آخر القصص السبع التي سيقت لما علمته سابقًا، ولعل الاقتصار على هذا العدد على ما قيل لأنه عدد تام وأنا أفوض العلم بسر ذلك وكذا العلم بسر ترتيب القصص على هذا الوجه لحضرة علام الغيوب جل شأنه. اهـ.

.قال سيد قطب:

{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)}.
وهذه قصة شعيب ومكانها التاريخي قبل قصة موسى تجيء هنا في مساق العبرة كبقية القصص في هذه السورة. وأصحاب الأيكة هم غالبًا أهل مدين. والأيكة الشجر الكثيف الملتف. ويبدو أن مدين كانت تجاورها هذه الغيضة الوريفة من الأشجار. وموقع مدين بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة.
وقد بدأهم شعيب بما بدأ به كل رسول قومه من أصل العقيدة والتعفف عن الأجر، ثم أخذ يواجههم بما هو من خاصة شأنهم:
{أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.
وقد كان شأنهم كما ذكر في سورتي الأعراف وهود أن يطففوا في الميزان والمكيال، وأن يأخذوا بالقسر والغصب زائدًا عن حقهم، ويعطوا أقل من حق الناس، ويشتروا بثمن بخس ويبيعوا بثمن مرتفع. ويبدو أنهم كانوا في ممر قوافل التجارة، فكانوا يتحكمون فيها. وقد أمرهم رسولهم بالعدل والقسط في هذا كله، لأن العقيدة الصحيحة يتبعها حسن المعاملة. ولا تستطيع أن تغضي عن الحق والعدل في معاملات الناس.
ثم استجاش شعيب مشاعر التقوى في نفوسهم، وهو يذكرهم بخالقهم الواحد. خالق الأجيال كلها والسابقين جميعًا:
{واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين}.
فما كان منهم إلا أن يطلقوا عليه الاتهام بأنه مسحور، فهو يخلط ويهذي بما يقول: {قالوا إنما أنت من المسحرين}. وإلا أن يستنكروا رسالته. فهو بشر مثلهم، وما هكذا في زعمهم يكون الرسول. ويرمونه بالكذب فيما يقول: {وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين}.
وإلا أن يتحدوه أن يأتيهم بما يخوفهم به من العذاب إن كان صادقًا فيما يدعيه؛ وأن يسقط عليهم رجومًا من السماء، أو يحطمها عليهم ويسقطها قطعًا:
{فأسقط علينا كسفًا من السماء إن كنت من الصادقين}.
وهو تحدي المستهتر الهازئ المستهين! وهو شبيه بتحدي المشركين للرسول الكريم..
{قال ربي أعلم بما تعملون}.
ويعجل السياق بالنهاية دون تفصيل ولا تطويل.
{فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم}.
قيل: أخذهم حر خانق شديد يكتم الأنفاس ويثقل الصدور. ثم تراءت لهم سحابة، فاستظلوا بها؛ فوجدوا لها بردًا، ثم إذا هي الصاعقة المجلجلة المدوية تفزعهم وتدمرهم تدميرًا.
وكان ذلك {يوم الظلة} فالظلة كانت سمة اليوم المعلوم!
ثم يجيء التعقيب المكرور: {إِن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.
ويختم القصص في السورة ليجيء على إثره التعقيب الأخير. اهـ.